الدكتور فرحات بلولي لـ "الحقائق" : الأمازيغ المعربون لا يحسون أن العربية أجنبية


حاورته نجاة دحمون يوم: 2015/07/06

تمتاز الجزائر بثراء ثقافي مذهل إذ امتزجت على أرضها ثقافات متعددة شكلت في الأخير مميزات الشخصية الجزائرية إلا أن الثقافة الأمازيغية تعتبر الأصل الذي يحتاج دوما إلى التعرف عليه وإماطة لثام الغموض عنه ليتعرف عليه الجزائريون الذين لا يفهمون اللغة الأمازيغية ولا يعرفون إلا القليل عن التراث الأمازيغي . لذا وجب العمل على ترجمة ونقل التراث الأمازيغي وأدبه لهؤلاء للتعريف به أولا ولتقوية أواصر الوحدة الوطنية ثانيا.

والدكتور " فرحات بلولي" من المثقفين القلائل الذين انتبهوا لأهمية ذلك إذ إلى جانب عمله كأستاذ محاضر في جامعة البويرة ( تخصص دراسات لغوية ) أولى أهمية خاصة للترجمة من الأمازيغية إلى العربية إذ نشر عام 2012 م أول رواية أمازيغية مترجمة للغة العربية ( سلاس ونوجة لإبراهيم تزاغارت)، وشارك في عدة ملتقيات دولية ووطنية حول الأدب الأمازيغي ، وله مجموعة من المقالات المنشورة في العديد من المجلات منها النّاطقة بالأمازيغيّة مثل مجلة (ثمازيغث ثورا)، والنّاطقة بالعربيّة مثل مجلة (اللّغة العربيّة) الصّادرة عن المجلس الأعلى اللّغة العربيّة (الجزائر):

جريدة الحقائق التقت الاستاذ وكان لها معه هذا الحوار


الحقائق: بعد ثلاث سنوات من إقدامك على مغامرة ترجمة أول رواية أمازيغية ترجمت للعربية، ما تقييمك لحركة ترجمة الأدب الأمازيغي وتراثه للغة التي يتحدث بها أكثر من 75 % من الجزائريين؟

 الدكتور بلولي: أشكر جريدة الحقائق التي أتاحت لي فرصة الظهور على منبرها الثقافي، أما في ما يخص تقييمي لحركة الترجمة من الأمازيغية إلى العربية، فيبدو لي أنها في تزايد مستمر؛ وليس هذا صدفة، بل هو مرتبط بالمناخ اللساني الاجتماعي وحتى السياسي الذي ما فتئ يتطور نحو تشجيع مثل هذه الممارسة، ولعل أبرز هذه العوامل هو ترقية اللغة الأمازيغية إلى مصاف اللغة الوطنية منذ سنة 2002م، إضافة إلى نشأة نخبة مُعربة تتقن الأمازيغية في الوقت نفسه؛ ما لم يكن موجودا بالكثرة نفسها في السبعينات مثلا. 

الحقائق: لماذا فضل الدكتور بلولي الترجمة على تأليف رواية رغم أنه يمتلك الأدوات والآليات التي تسمح له بذلك؟ وفي آن واحد الكتابة بالعربية أسهل بكثير من ترجمة عمل أمازيغي للغة العربية؟

الدكتور بلولي: قد أُفسر هذا الأمر بثلاث عوامل أساسية؛ ففي المقام الأول أنا متخصص في الدراسات اللغوية، وقد تعرفتُ، مع مرور الوقت، على أهمية الترجمة في تطوير اللغة بشكل عام؛ فهي جسر بين العربية والأمازيغية يجب استثماره في سبيل تطوير اللغتيْن، ولعل احتكاكي باللغات، في مقام ثان، سواء منها الأمازيغية أو الفرنسية وبشكل أقل الانجليزية، إضافة إلى العربية، هو ما شجعني إلى التوجه للترجمة، بل جعلها ضرورة لاستثمار ما يملكه المرء من لغات في سبيل خدمة وطنه وثقافته، وفي مقام أخير، هناك الجانب الاجتماعي/السياسي حيث لاحظت أن هذا النوع من الممارسة (ترجمة أمازيغية/ عربية) قليل جدا؛ مما خلق الكثير من سوء الفهم في المجتمع، لذلك أردت أن أساهم بطريقتي في البناء الوطني بإحداث التقارب بين الثقافتين.  

الحقائق: في رأيك لما تفوق الكُتاب باللغة الفرنسية على الكُتاب باللغة العربية في عملية نقل وحفظ التراث الأمازيغي؟

 الدكتور بلولي: يمكن رد هذا الأمر إلى ظروف لسانية اجتماعية بحتة؛ فقد كانت معظم النُخب بما فيها تلك المنحدرة من المناطق العربية، في القرن الماضي، نخب مُفرنسة، وهذا ينطبق ـ طبعا ـ حتى على المناطق الأمازيغية، ونظرا لطبيعة اللغة الفرنسية التي نحسبها لغة أجنبية، فكان الأمازيغ المفرنسين يعودون إلى أصلهم عبر بوابة الأمازيغية، أما الأمازيغ المعربين، فكانوا قلة قليلة، وكانوا لا يحسون أن العربية أجنبية، فاكتفوا بها دون حاجة للأمازيغية، لكن مع مرور الوقت أصبح ذلك تقليدا، ثم أخذت المسألة أبعادا سياسية؛ مما أفسد للقضية ودها في بعض الأحوال، لكن حاليا، مع كثرة المعربين وتراجع عدد المفرنسين بين النخب، بدأت تظهر أوساط مُعرّبة تتبنى الثقافة الأمازيغية، وتحاول نقلها باللغة العربية وإليها؛ مما يعيد الأمور إلى نصابها.

الحقائق: هناك من يعيب على المحافظة السامية للغة الأمازيغية عدم قبولها النشر والطباعة للأدب الأمازيغي المكتوب باللغة العربية، ما موقفك من ذلك؟

الدكتور بلولي: المحافظة السامية للأمازيغية لا تنشر النصوص الأدبية إلا بالأمازيغية، على حد علمي، وهذه مهامها القانونية طبعا، ومما أعلم أنها تنشر الدراسات حول الأمازيغية (ليس الأدب) بكل اللغات، وقد سبق لها أن نشرت دراسات باللغة العربية حول الأمازيغية مثل دراسة الدكتور محمد جلاوي "تطور الشعر القبائلي وخصائصه...".

الحقائق: من حين لآخر تقيم بعض الجامعات مثل جامعة مولود معمري في تيزي وزو وجامعة البويرة ملتقيات أدبية حول الأدب الأمازيغي لكن لا مكان فيها للأدباء الأمازيغ الذين يكتبون أدبا أمازيغيا باللغة العربية، إلى ماذا تعزو ذلك؟

الدكتور بلولي: كان لي الشرف أن شاركت في الكثير من الملتقيات الدولية من هذا النوع؛ سواء في جامعة البويرة أو في جامعة باتنة... وقد وقفت فعلا على غياب الأدباء في تلك النشاطات، لكن هذا لا يقتصر على الذين يكتبون باللغة العربية فقط، بل يتعداه إلى الأدباء الذين يكتبون بالأمازيغية أيضا، ربما هذا يعود إلى طبيعة تلك النشاطات التي تهتم بجانب البحث العلمي أكثر من اهتمامها بالأدب كأدب.

الحقائق: هل يمكن للأدب الأمازيغي الناطق بالعربية منافسة الأدب الأمازيغي الناطق بالفرنسية من حيث نوع الأعمال المترجمة والمؤلفة في المستقبل القريب؟

الدكتور بلولي: اعتقد ذلك فعلا، فالأوضاع اللسانية الاجتماعية تؤيد هذا الطرح، فالمعربون الذين يتبنون الثقافة الأمازيغية في تزايد مستمر، واحتكاك الثقافتين في تزايد أيضا وحتى المحيط القانوني والسياسي منفتح على هذا الطرح؛ لذلك يبدو لي أن مستقبل التواصل بين الثقافتين زاهر، وهذا - في رأيي- هو الطريق الصحيح إلى الاستعادة التامة للاستقلال الوطني، وترسيخ الوحدة الوطنية بشكل لا رجعة فيه.

الحقائق: ما الذي يمكنه للجامعة تقديمه للأدب الأمازيغي المكتوب بالعربية ليتطور وليحظى بالمكانة التي يستحقها؟

الدكتور بلولي: الجامعة مثلها مثل الإعلام والمدرسة هيئة للإشعاع الثقافي، وهي ذاكرة المجتمع وناقلة الثقافة من جيل إلى آخر، يمكنها أن تلعب دورا مهما في تطوير الأدب الأمازيغي المكتوب بالعربية؛ وذلك بتخصيص ندوات وملتقيات... واقتراح تلك النصوص في مختلف المواد والوحدات الدراسية، وخاصة في أقسام الأدب (العربي والأمازيغي...) وبالتالي تعريف الطلبة بتلك الأعمال وما تكتنزه من ثقافة، وتشجيعهم على الاتجاه إلى المساهمة في ذلك. 

الحقائق: هل يفكر الدكتور بلولي في ترجمة أعمال أمازيغية جديدة إلى العربية؟ ( إن كان نعم فلمن اخترت الترجمة ولمَ؟)

الدكتور بلولي: الترجمة من أصعب الممارسات الأدبية؛ تمر بثلاث مراحل أساسية؛ المرحلة الأولى هي مرحلة اختيار النص التي تحتاج إلى قراءات كثيرة لانتخاب نص واحد، ثم تأتي مرحلة الحصول على حقوق الترجمة؛ وهذا جانب إداري محفوف بكثير من العوائق، وأخيرا، انجاز الترجمة في حد ذاتها، ووفقا لهذه الرؤية، أصنف حالتي في المرحلة الثانية حيث اعتزم في المرحلة المقبلة طلب حقوق الترجمة من أصحاب بعض النصوص، وانتظار ردودهم؛ يومذاك يمكن التعرف على العمل الذي سيُترجم.

يمكن الاطلاع على هذا الحوار في الموقع التالي:

http://www.el-hakaek.com/index.php/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D9%8A/14769-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D9%81%D8%B1%D8%AD%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D9%84%D9%88%D9%84%D9%8A-%D9%84%D9%80-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%A7%D8%B2%D9%8A%D8%BA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%88%D9%86-%D9%84%D8%A7-%D9%8A%D8%AD%D8%B3%D9%88%D9%86-%D8%A3%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D8%AC%D9%86%D8%A8%D9%8A%D8%A9.html